بشرٌ أم روبوتات؟

بشرٌ أم روبوتات؟



فظيعةٌ هي الصرخةٌ المدوية التي أطلقها الكاتب جورج أورويل في رائعتيه (مزرعة الحيوانات) و(1984) خوفاً من الحالة الكابوسية الخطيرة التي تطال الإنسان في حال استمرت الانحرافات التي يتعرض لها الاقتصاد المركزي، وهي لم تكن موجهة كنقد حول المجتمع الاشتراكي فقط، بل هي نقد حول أي نظام سياسي ينحرف انحرافاته

حيث يرجونا بقوله:
(لا تدعوا ذلك يحدث، الأمر متوقفٌ عليكم)، (لا تدعوا هذا يحدث، لا تدعوا السلطة تغير بنية الإنسان)
كما أن هناك روايةٌ مخيفة اسمها (نحن) للكاتب فينغييني زامياتين، وهي قصة هجائية عن تحول الإنسان إلى آلة، وهي نذيرٌ بالخطر الذي يتهدد الإنسان والإنسانية جراء السلطة المتزايدة المتضخمة للآلة وللدولة أياً كانت هذه الدولة- بحسب الناقد الفرنسي فريدريك ليفيفير
حيث يتحول الناس في جزيرة زامياتين إلى أرقام وأحرف، والمدينة مقسمة إلى شوارع بأرقام، والأبنية وااقاعات كذلك... حتى الانفعالات والعواطف.
وكأنما الكاتب يعيد صورة (الأزمنة الحديثة) لشارلي شابلن حول مكننة الإنسان: (ففي كل صباح، وبدقة سداسية العجلات، وفي ساعة واحدة ودقيقة واحدة ننهض، نحن الملايين، كرجل واحد، وفي ساعة واحدة نبدأ، نحن الملايين، عملنا كرجل واحد، وفي ساعة واحدة كرجل واحد ننهيه، وفي ثانيةٍ واحدةٍ يحددها اللوح نرفع، وقد انصهرنا في جسمٍ واحدٍ ذي ملايين الأيدي، الملاعق إلى أفواهنا، وفي ثانيةٍ واحدةٍ نخرج إلى النزهة، ونذهب إلى قاعة تمارين تيلور، ونمضي إلى النوم)
كيف هو الجنس إذاً في حالةٍ كهذه؟، (شرعتنا التاريخية حول الجنس: لكلٍ من الأرقام الحق في أي رقمٍ آخر بوصفه منتوجاً جنسياً، ويأتي بعد هذا دور التقنية، يعاينونك ويفحصونك بدقة في مختبرات مكتب الجنس، ويحددون لك بدقة تركيب الهرمونات الجنسية في الدم، ويضعون لك جدولاً مناسباً بأيام الجنس، ثم تتقدم بتصريحٍ برغبتك في أن تفيد في الأيام المخصصة لك من الرقم كذا أو الرقم كذا، فتستلم دفتر القسائم المقرر- الوردي- وهذا كل شيء)
(مرتين في اليوم، من الساعة "16 إلى 17" ومن "21 إلى 22"، يتفكك الجسم الواحد الجبار إلى خلايا متفرقة، إنهما الساعتان الشخصيتان اللتان حددهما اللوح، في هاتين الساعتين يمكنكم أن تروا الستائر في غرف البعض مسدلة بحشمة.... طال الوقت أم قصر سنجد في وقت ما لهاتين الساعتين أيضاً مكاناً في الصيغة العامة، وستدخل هذه الثواني ال (864000) كلها في لوح الساعة، ...كيف كان بإمكان الدولة أن ترضى بأن يعيش الناس من دون أي شيءٍ يشبه لوحنا، من دون نزهاتٍ إلزامية، من دون تنظيم أوقات الطعام، وبأن يستيقظوا ويناموا حين يحلو لهم.... وأن تدع الحياة الجنسية من دون مراقبة: من يشاء وفي أي وقتٍ يشاء وقدر ما يشاء)
فإعلان المرأة: (بودّي لو أوافيك اليوم وأرخي الستائر، اليوم بالضبط، الآن) يحرّك في الرجل هذه التداعيات: (أمس بالذات كانت عندي، وهي تعرف، ليس أقل مما أعرف، أن يومنا التالي المخصص للجنس هو بعد غد)
ثم إن استباق الفكرة (تماماً كالاستباق-الضار أحياناً- لإضرام شرارة محرك)
مقتبس من (حيونة الإنسان) . ممدوح عدوان ص 192- 193-194
تعقيب: مخيفة هي فكرة أننا فعلاً بدأنا مرحلة التحول إلى آلاتٍ ، فقد باتت أيام الأسبوع نسخ مكررة لنفس الأعمال الروتينية التي نقوم بها دون أن نكون بكامل وعينا، فنجد أنفسنا نعيشها على الهامش دون الانغماس في أي تفاصيل ودون استمتاع
حتى أن أيام العطلة الأسبوعية بدأت تفقد رونقها ومتعتها، فقد بتنا نقضيها مع أجهزتنا الذكية عوضاً عن الاستمتاع الفعلي مع الأهل أو الأصدقاء، حتى وإن اجتمعنا بهم في مكان واحد
بتنا لا نلقي بالاً للتفاصيل الجميلة، فلا ننبهر بمنظر القمر ولا تسعدنا أولى قطرات المطر الهاطلة بهدوءٍ مع بداية الشتاء
لم نعد نشعر بالحب والعشق وباقي المشاعر الجميلة، لم تعد قلوبنا ترتجف لرؤية الحبيبٍ، لم تعد آذاننا تطرب لسماع صوته، ولا ترتعش خلايا جسدنا جميعها لمجرد ملامسة كفه
لم تعد تبكينا الأغاني ولا نصرخ اعجاباً بقصيدة، لم نعد نستمتع باللعب مع الأطفال، ولا نترنم طرباً بجمال الطبيعة
لم يعد يؤذينا ويحزننا منظر متشردٍ او مريض
لم نعد نشعر بالخوف المهيب حال حضورنا عزاءً أو جنازة، لم نعد نشعر بالفقد نتيجة مفارقة شخصٍ غالٍ على قلوبنا بسفرٍ او موت
حتى العلاقة الحميمية بين الأزواج باتت مهمةً ثقيلة الظل نتيجة التعب والارهاق والقلق وغيرها من المشاعر السلبية التي باتت تظلل حياتنا بظلالها الرمادية والسوداء
يا إلهي، فعلاً نحن في الطريق للتحول إلى روبوتات! 💔😞

تعليقات