الذكاءات المتعددة- المقال 2 (انعكاس تبني النظرية على المجتمع)
المقال (2)
(انعكاس تبنّي نظرية الذكاءات المتعددة على المجتمع)
تحدثنا في المقال السابق عن نشأة نظرية الذكاءات المتعددة. وفي مقال اليوم سنجيب عن السؤال التالي: ما المردود الإيجابي لتبنّي نظرية الذكاءات المتعددة على الفرد والمجتمع؟
حسناً, إن تبنّي هذه النظرية ونشرها بين الأفراد كثقافة عامة يؤدي بالضرورة إلى تغيّر نظرة المجتمع ككل لمصطلحي الذكاء والغباء, وبالتالي لن يبقى مصطلح (شخص غبي لا ينفع لشيء) سائداً في الأذهان, وهكذا ستذوب الفوارق الاجتماعية التي تقسّم المجتمع كشرائح وفقاً لمستواهم التعليمي والتي تجعل الجامعيين وخاصةً الأطباء والمهندسين والمحامين مثلاً يحظون بنظرة احترام أعلى من العمال الحرفيين, كما هو سائدٌ حالياً.
إذ تقوم هذه النظرية أساساً على احترام قدرات وإمكانات كل فرد والتعامل معها على أنها نقطة قوة وإضافة ضرورية للمجتمع, وسيتم تربية الأطفال على احترام ذكاءات الآخرين والنظر إلى كل فرد على أنه كقطعة تركيب (puzzle) ضرورية لتكوين اللوحة النهائية الجميلة والتي هي المجتمع. حيث لا توجد قطعة أهم من الأخرى, بل الجميع له نفس الأهمية والجميع قادر ومُطالب بخدمة المجتمع انطلاقاً من قدراته الخاصة وإمكاناته المتفردة.
عند تبنّي هذه النظرية, يجب أن تبدأ العملية أولاً باكتشاف الذكاءات الأقوى والأضعف لدى كل طفل, ومن ثم تطويع المناهج الدراسية بحيث تعمل على صقل الذكاءات الأقوى لدى كل طفل, وكذلك استثمار هذه الذكاءات القوية لتقوية الذكاءات الأضعف إلى أقصى درجة ممكنة. وبالطبع فإن نظام الاختبارات والامتحانات الموحدة بشكلها التقليدي يجب أن تختفي, ويحل محلها اختبارات يقوم فيها كل متعلم بالبرهان على فهمه للمحتوى الدراسي باستخدام الذكاء المفضل لديه, مثلاً يمكن للمتعلم صاحب الذكاء اللغوي العالي أن يكتب مقالاً أو قصةً يشرح فيها ما فهمه من الوحدة الدراسية, بينما يقوم المتعلم صاحب الذكاء البصري برسم لوحةٍ معبرة, وقد يؤلف المتعلم صاحب الذكاء الموسيقي المرتفع أغنية أو أنشودة, وهكذا مع باقي الذكاءات. حيث أن المطلوب هو فهم المادة المشروحة ومن ثم استخدام ما تم تعلّمه منها لخدمة المجتمع بكافة الأشكال الممكنة.
كما يمكن أن يُطلب من المتعلمين بعد كل وحدة دراسية تشكيل مجموعات غير متجانسة (تحوي كافة الذكاءات) أو متجانسة (كل أفرادها يتمتعون بنفس الذكاء) وهذا لعمل مشروع يوضّح ما فهموه من الوحدة الدراسية أو يحل مشكلة تم طرحها في هذه الوحدة الدراسية, فيعمل الجميع على استخدام ذكاءاتهم الأقوى للتوصل إلى عملٍ متكامل. مثلاً المتعلم صاحب الذكاء الاجتماعي يقوم بدور التنسيق وقيادة المجموعة, والمتعلم صاحب الذكاء المنطقي يقوم بتنظيم الوقت والتفكير بالكلفة ونقاط القوة والضعف للمشروع, والطالب صاحب الذكاء البيئي يدرس انعكاس هذا المشروع والمواد المستخدمة فيه على البيئة, والطالبان صاحبا الذكاء البصري والجسدي يقومان بتصميم المشروع, والطالب صاحب الذكاء اللغوي يقوم بمناقشته, وهكذا. والمعلم يحتسب الدرجات المستحقة مع الأخذ بالحسبان الشخصية المتفردة لكلٍ متعلم منهم والذكاء الأقوى لديه.
حين يتم تعليم الأطفال بهذا الشكل سيتعلم الجميع أن كل الذكاءات مطلوبة ومفيدة وضرورية لبناء مجتمع متكامل, وسيشعر كل طفل بفرحة الإنجاز دون ضغوطات حيث أن الحكم على نجاحه وفشله سيكون ملائماً لقدراته الخاصة, وسيتم إلغاء المقاييس الموحدة المتبعة حالياً في نماذج الاختبارات والامتحانات الموحدة التي عادةً ما تركّز على الذكاء اللغوي والمنطقي وتهمّش باقي الذكاءات.
هكذا, لن يشعر الطفل بضرورة إهمال ذكاءاته الأقوى (في حال كانت موسيقية أو جسدية أو بيئية مثلاً) والتركيز على الذكاء اللغوي والمنطقي بالإضافة إلى الحفظ لينجح في دراسته ويجتاز الامتحانات, بل سيشعر بالراحة وهو يرى قدرته على الإنجاز والنجاح باستخدام قدراته وامكاناته الفطرية دون أي ضغطٍ نفسي عليه لاستخدام أنواع الذكاء الأضعف لديه, وهذا سيؤدي إلى تكوين أفراد يتمتعون بالثقة بالنفس وسعداء وقادرين على العطاء وخدمة المجتمع باستخدام قدراتهم الفردية المتفردة. فأصحاب الذكاء البيئي المرتفع سيصبحون علماء بيئة, وأطباء بيطريين مثلاً, وأصحاب الذكاء اللغوي المرتفع سيصبحون أدباء وشعراء ومذيعين على سبيل المثال, وأصحاب الذكاء الجسدي المرتفع سيصبحون رياضيين وحرفيين, وأصحاب الذكاء البصري المكاني المرتفع سيصبحون فنانين ومهندسين ديكورمثلاً, وأصحاب الذكاء الذاتي المرتفع سيصبحون فلاسفة ومفكرين, وهكذا مع باقي الذكاءات.
وفي النهاية سيتمتع المجتمع ككل بالرفاهية والسعادة وسيسود الاحترام بين جميع أفراده. (يتبع)
بقلم: شيرين الخس
تعليقات
إرسال تعليق