عن عبثية الحياة في عصر الحداثة السائلة


عن عبثية الحياة في عصر الحداثة السائلة





انبثق المفهوم الحديث للفلسفة (العبثية) الذي نشأ من الوجودية وتأثر بالعدمية على يد الكاتب الفرنسي البير كامو الذي طرحه في تحفته (أسطورة سيزيف) عام 1942
حيث يظهر ان العبث في فلسفة كامو لا يأتي من كون العالم عبثي، بل في عدم خضوعه لمعايير العقل والعقلانية، ففي الأسطورة كان على سيزيف، الذي حلّ عليه غضب الآلهة، أن يعيش حياةً أبدية يقضيها في عملٍ غير مجدٍ ألا وهو دحرجة صخرة صعوداً إلى أعلى جبلٍ وحالما يصل بها إلى قمته تعود للتدحرج نزولاً من جديد وهكذا مراراً وتكراراً بلا نهاية.
وكم تشبه حال سيزيف حال إنسان اليوم الذي يعيش هذا العصر الذي أطلق عليه الكاتب البولوني الأصل زيچمونت باومان عصر (الحداثة السائلة) في كتابـه الذي أصدره عام 2000 والذي يحمل نفس الاسم، والذي قام بترجمته حجاج أبو جبر ونشرته الشبكة العربية للأبحاث عام 2016
حيث لخّص باومان فكرته عن الحداثة السائلة بقوله (إننا بعكس أسلافنا نفتقر إلى صورةٍ واضحةٍ لوجهةٍ نسير إليها ونقصدها، وجهةً تمثل نموذجاً لمجتمع عالمي واقتصاد عالمي وسياسةٍ عالمية وسلطةٍ قضائية عالمية) في هذا العصر، تحوّل الإنسان إلى مجرد مسمارٍ في آلة إنتاجٍ عالميةٍ ضخمة يعيش منشغلاً بكوارثه الخاصة متحسساً طريقه في الظلام، يشعر أكثر مما يعلم ويعرف
من هذه المقاربة، يتبادر إلى ذهني سؤال بإلحاحٍ شديد
"ألم يحوّلنا الروتين اليومي سريع الإيقاع، بطيء الوقع، عبثي الغاية إلى نسخٍ لا نهائية من بطل الأسطورة (سيزيف)؟؟
فها نحن لا ننفك نكرر ذات الأعمال التافهة الفارغة من أي معنى يومياً دون أن تكون هذه الأعمال، بشكلٍ عامٍ، خطواتٍ تقرّبنا من تحقيق أهدافٍ وغاياتٍ عظيمة. بل نجدها، بتناقضٍ صارخ، لا تشكّل في مجملها إلا استنزافاً للطاقات الهائلة الكامنة في داخل كل فردٍ منا بشكلٍ عبثي يخلو من المعنى
التعمّق في كل ما سبق، يؤدي بي إلى فكرتين متناقضتين:
أولاهما، ألا يعتبر الموت، بالنسبة للإنسان الثائر على الواقع، خلاصاً من هذا الروتين القاتل والضجر السرمدي؟؟!
ثانيتهما، ألا ينمّ احتمالنا لهذا الروتين العبثي ومواجهتنا لمصيرنا وقدرنا عن شجاعةٍ لا نهائية وصبر مطلق يجعلنا نستحق بجدراةٍ لقب (المحارب) في معركة البحث عن معنى يجعل لكل هذا العبث معنى؟؟!

تعليقات