مراجعة رواية (صورة دوريان چراي)- للكاتب المسرحي الايرلندي اوسكار وايلد

 مراجعة رواية (صورة دوريان چراي)-  للكاتب المسرحي الايرلندي اوسكار وايلد  


عدد الصفحات 256 صفحة (رواية فلسفية قوطية وبرأيي المتواضع يمكن تصنيفها تحت مسمى رواية رعب نفسية)
ترجمة لويس عوض


حين يكون السطح جميلا" بينما العمق قبيحا" مرعبا"




نشرت الرواية للمرة الأولى عام 1890 في مجلة ليبينكوت الشهيرة والتي والتي حذفت أكثر من 500 كلمة منها بدون إذن الكاتب خوفا" من تكون القصة غير لائقة بنظر القراء، ورغم هذا ظهر من يطالب بملاحقة وايلد قضائيا" لانتهاكه الأخلاق العامة
فقام وايلد بتنقيح الطبعة التي أصدرتها المجلة وأصدرها في كتاب عام 1891 مع مقدمة دافع فيها عن الرواية والقارئ


تظهر فلسفة وايلد في عمق الحوارات في الرواية كما في موضوعها، بطبيعة الحال. و قد قام وايلد في هذه الرواية بكشف عيوب المجتمع الإنجليزي في تلك الحقبة، ولم يخفِ إعجابه بالثقافة الأمريكية
تتمحور الرواية حول شخصية الشاب دوريان چراي الذي كُتب عليه الشقاء مهما اعتقد من حوله عكس هذا، حيث تأثر نتيجة سذاجته بشكلٍ كبير بأصدقاء السوء ليصبح ما أصبح عليه في النهاية، حيث فُتن بمتع الدنيا الحسية وغرق في الفساد الأخلاقي إلى أن انهار كلياً في نهاية الرواية
الرواية هي رحلة تحول الشاب چراي البريء الساذج فائق الجمال إلى وحش، والصراع بين الخير والشر في نفسه. خاصةً في ظل وجود ذلك الصوت الداخلي المغري الذي يؤكد له على الدوام أنه مهما فعل من شرور، فإنه سيحتفظ بنفس المظهر البريء الجميل الجذاب.
فيجد چراي نفسه على امتداد الرواية أمام تقاطع طرق؛ طريق الخير وطريق الشر. ولكن هل الشر فعلاً شيءٌ سيء طالما أنه سيبقى محتفظاً بذات المظهر الشاب البريء الجذاب؟
إذ أنه يعرف مسبقاً أن لا شيء من الشرور التي يرتكبها سينعكس على صورة وجهه البريء لأن لوحته المرسومة ستحمل وحدها وزر جميع الشرور والآثام بدلاً عنه (يا له من إغراء لا يقاوم!)
يتمتع الشاب دوريان چراي بجمال لا يقاوم ومكانة اجتماعية مرموقة لكنه في الوقت ذاته شخص مغرور وساذج. عندما يرى لوحته التي صوره فيها صديقه الرسام بازيل هالوورد، يعجب بنفسه بشكلٍ كبير ويتمنى لو كان بإمكانه البقاء شاباً وسيماً كما في اللوحة، ولسوء حظه، تتحقق هذه الأمنية . فيزداد غرور چراي بوسامته وشبابه الدائمين وينحدر تدريجياً في مستنقع الكذب والقتل والحقارة، وفي كل مرة يرتكب فيها هذا الشاب شراً أو إثماً تتشوه صورته قليلاً وتظهر عليها علامات التقدم في السن بينما يبقى هو مفعماً بالشباب والوسامة. حيث تتحول صورته تدريجياً إلى انعكاس صارخ على ما وصل إليه من فساد وشر يخفيهما ببراعة خلف براءة وجمال وشباب مظهره الخارجي.
تطرح الرواية ببراعة تأثير صديق السوء الذي يمثله اللورد هنري ووتون الذي يسمع بكمال الشاب دوريان چراي الذي يتمتع ببراءة الروح والصلاح الشديد بالإضافة إلى الوسامة التي لا تقاوم، فيسعى إلى اللقاء به ومصاحبته وينجح فعلاً في تغيير نظرة الشاب البريئة عن العالم. وهكذا يتبنى چراي تدريجياً وجهة نظر اللورد هنري عن العالم الذي يراه سلسلة لا نهائية من المتع الحسية التي لا مجال فيها للتساؤل عما هو صالح أو شرير. وهكذا يدخل چراي عالم هنري ويتعرف إلى مجموعة من الأشخاص الذين يساهمون في انحداره على سلم القيم وبالتالي يسهمون في الآثار السيئة التي تبدأ في الظهور على صورته مع كل درجة ينحدر فيها نحو القاع.
كما يطرح وايلد في المقابل دور الصديق الجيد الصالح الذي يمثله الرسام بازيل. وهو الذي يحاول مراراً وتكراراً ابعاد چراي عن عالم اللورد هنري، دون جدوى. وحين يقوم بازيل بمواجهة چراي فيما بعد، وتحديداً، في ذكرى ميلاده بالشائعات السيئة التي تنتشر عنه، فيقوم چراي بعرض ما حل بصورته من تشوهات نتيجة تصرفاته المشينة على بازيل الذي يرجوه بعمق أن يتوب، فهل يقبل الشاب دعوة صديقه الطيب ويثوب إلى رشده أخيراً أو أنه يبقى مصراً على متابعة الطريق الفاسد الذي بدأه، هذا ما ستعرفونه عند قراءتكم للرواية. التي تصف رحلة تحول مرعبة مليئة بالأحداث التي تقطع الأنفاس، وأنصح الجميع بقراءتها.

دمتم قارئين
شيرين الخس

تعليقات